كان العميد الإيراني إسماعيل قاآني أخيراً محور حملة دعائية لمجموعة من وسائل الإعلام التابعة عموماً للأنظمة الملكية في الخليج. وقد أثار التشابه في هذه التغطية شكوكاً حول الدوافع الحقيقية وراء هذه الحملة.
الحرب بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنظام الإسرائيلي، التي أرجئت بعد الهجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة الذي شنّته إيران ضد الأراضي المحتلة في 13 نيسان/أبريل، اشتعلت مجدداً إثر اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في 27 أيلول/سبتمبر الماضي.
ورداً على اغتيال نصرالله والمستشار العسكري الإيراني البارز العميد عباس نيلفروشان في بيروت، وفي رد متأخر على اغتيال إسرائيل لقائد حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 تموز/يوليو الماضي، استهدفت إيران إسرائيل بوابل من الصواريخ في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري.
وقد حبس العالم أنفاسه، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط، بعد أن هدّدت حكومة نتنياهو إيران برد قاسٍ على الهجوم الصاروخي الضخم.
مرّ أسبوعان منذ إطلاق نتنياهو تصريحاته المتشدّدة، إلا أن الإسرائيليين لم ينفذوا تهديدهم بعد. عوضاً عن ذلك، انخرطوا في حرب نفسية تهدف إلى تشويه صورة إيران وقاآني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. واستخدموا في هذه الحرب الدعائية وسائل إعلام في دول عدة.
قاآني: مفقود؟ ميت؟ مصاب؟ عميل!
في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر، ألقى النظام الإسرائيلي مجدداً أطناناً من القنابل الأميركية الخارقة للتحصينات على عدة مبان سكنية في الضاحية الجنوبية لبيروت. بعد ساعات، كشفت بعض وسائل الإعلام الغربية والعربية أن هدف الغارة التي كانت أكبر من تلك التي أسفرت عن استشهاد نصر الله، هو هاشم صفي الدين، خليفة نصر الله. كذلك زعمت أن قاآني ربما قتل أيضاً في الضربة، فيما نفى الجيش الإسرائيلي أنه كان على علم بوجود قاآني في اجتماع مع صفي الدين.
بعد يومين من هذه التقارير، ومع التزام طهران والحرس الثوري الإيراني الصمت بشأن الجنرال الأعلى رتبة في فيلق القدس، نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن "إيران فقدت الاتصال بقاآني منذ الضربة في بيروت".
وكان آخر ظهور علني لقاآني في 29 أيلول/سبتمبر في مكتب حزب الله في طهران، حيث قدم تعازيه باستشهاد نصر الله. لكن التقارير الإعلامية التي زعمت أنه قُتل أو أُصيب دفعت مسؤول عمليات الحرس الثوري في الخارج السفير الإيراني السابق في بغداد، إيراج ماجدي، إلى نفي الشائعات. وأكد أن قاآني ليس شهيداً ولا مصاباً. إنه آمن وبصحة جيدة، ويقوم بواجباته المعتادة".
في اليوم التالي، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية رسالة من قاآني إلى احتفال لإحياء الذكرى الأولى لعملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر. ومع ذلك، فإن قاآني لم يحضر الاحتفال في طهران "لانشغاله باجتماع آخر".
لكن تصريحات مسجدي ورسالة قاآني فشلت، على ما يبدو، في إنهاء الشائعات. وهذه المرة، أعلن جنرال آخر من الحرس الثوري الإيراني ومستشار عسكري أن "قاآني سيحصل قريباً على وسام الفتح من الدرجة الأولى من القائد الأعلى آية الله علي خامنئي".
الشائعات التي لم تتوقف عن التداول لمدة أسبوع وصلت إلى ذروتها في 10 تشرين الأول/أكتوبر، عندما زعمت صحيفة "ميدل إيست آي" التي تتخذ من لندن مقراً لها أن قاآني تحت الإقامة الجبرية، ويخضع للاستجواب في تحقيق يجريه الحرس الثوري الإيراني حول كيفية معرفة الإسرائيليين بموقع نصر الله. وزعمت الصحيفة التي تمولها حكومة قطر أنها حصلت على هذه المعلومات من 10 مصادر في بغداد وبيروت وطهران.
وانضمت إلى هذه الموجة أيضاً قناة "سكاي نيوز عربية" مع مزاعم أخطر. ونقلت القناة، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، عن مصادرها الإيرانية، أن إسماعيل قاآني أصيب بنوبة قلبية، ونُقل إلى المستشفى في أثناء استجوابه بشأن تعاونه المزعوم مع إسرائيل.
ومن اللافت أن موقع "إيران الدولية" المعارض وقناته التلفزيونية غطيا بشكل شامل المزاعم التي قدمتها وسائل الإعلام القطرية والإماراتية بثلاث لغات: الفارسية والإنكليزية والعربية.
تأسّست قناة "إيران الدولية"، التي تتخذ من لندن مقراً لها، عام 2017، ومن المعروف أنها تلقّت تمويلاً من شركة إعلامية لها روابط مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. ويعتقد أنه بعد تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية عام 2023، سُلِّم الإشراف على القناة إلى إسرائيل.
لم تولِ كل من وزارة الخارجية الإيرانية والحرس الثوري الإيراني أي اهتمام للمزاعم التي أوردها موقع "ميدل إيست آي" و"سكاي نيوز عربية". ومع ذلك، سخر موقع تسنيم، وهو وكالة أنباء تربطه علاقات وثيقة بالحرس الثوري، من هذه التقارير. وكتب أن "20 مصدراً موثوقاً رفضوا بشكل قاطع مزاعم 10 من مصادر موقع ميدل إيست آي، معتبرين إياها أكاذيب".
قاآني في قلب مؤامرة إعلامية
تثير كل هذه الادعاءات حول قاآني، في غضون سبعة أيام فقط، تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء كل هذا الضجيج حول القائد الذي لم يكن يوماً في دائرة الضوء، ويشتهر بلقب "رجل الظل".
لذا يبدو أننا أمام حملة منسقة وُزِّعَت مهامها: الإعلام المرتبط بقطر والإمارات ينشر شائعات ضد قاآني. وبينما تقدم "إيران الدولية" والولايات المتحدة عبر قناة "الحرة" تعليقات على هذه الشائعات، تبث قناة "العربية" السعودية وثائقياً حول الدور المحتمل لحزب الله في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
إلى حدٍ ما، يبدو أن جميع هؤلاء ينفذون خطة دُبرت في تل أبيب تهدف إلى إضعاف محور المقاومة بأسره، وإحباط داعميه حول العالم، وإحباط آمالهم. وهو ما يؤكده عباس جولرو، عضو لجنة الأمن القومي والشؤون الخارجية في مجلس النواب الإيراني، مشيراً إلى أن "إحدى استراتيجيات العدو هي زرع الإحباط داخل محور المقاومة وكذلك في الرأي العام الذي يدعم شبكة المقاومة". ويضيف "هذه الشائعات تُنشر على نحو أساسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، ولكن ينبغي عدم الالتفات إليها".
التفسيرات المعقولة لهذه الحملة المكثفة مرتبطة بالتحذير الشديد الذي وجهته طهران إلى قطر والإمارات العربية المتحدة والسعودية بعدم التورط في احتمال الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل. ويقول جولرو" "لقد أوضحت إيران أن أي إجراء تتخذه دولة في الخليج الفارسي ضد طهران، سواء من خلال السماح باستخدام أجوائها أو القواعد العسكرية على أراضيها، سيُعتبر من قِبل طهران بمثابة إجراء اتخذته المجموعة بأسرها، وسترد طهران عليه وفقاً لذلك".
مع تراجع الدوحة والرياض وأبوظبي أمام تحذيرات إيران، بل وحثها الولايات المتحدة على منع إسرائيل من قصف المنشآت النفطية الإيرانية، فإن من المتوقع أن ترد هذه الدول على إذلالها بفتح جبهة موحدة ضد إيران، مدعومة بوسائل إعلام عربية وإيرانية وغربية، وتكون أسلحتها الشائعات والأكاذيب والافتراءات وزرع الفتنة.
وحقيقة أن طهران أرسلت كبير دبلوماسييها عباس عراقجي ورئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف إلى بيروت كدليل على الدعم والتضامن، تثبت أن إيران وحلفاءها في العراق واليمن ولبنان وغزة لم يقعوا في فخ هذه الادعاءات، وأن هذه الحرب النفسية، كما يؤمل، لن تحقق أهدافها.
تعليقات