بدأت عمليات القمع والمجازر ضد العلويين والمسيحيين في سوريا مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا تزال مستمرة منذ ثلاثة أشهر ونصف. ففي اليوم التالي لسقوط دمشق في 7 كانون أول/ديسمبر 2024، بدأت إسرائيل بقصف سوريا، وفي الوقت نفسه دخلت الدبابات الإسرائيلية الأراضي جنوب البلاد.

لكن بنادق "هيئة تحرير الشام" والمجموعات الجهادية التابعة لها، التي استولت على دمشق، لم تتوجه نحو إسرائيل، بل نحو العلويين. وانتهكت المجموعات الجهادية التابعة للهيئة قرى وبلدات العلويين، حيث قامت بإذلال السكان، ونهب منازلهم، ومصادرة ممتلكاتهم، واعتقال الرجال، وإعدامهم، وتهجيرهم قسراً. وقد ظهرت هذه الأفعال في مقاطع الفيديو التي صورها الجهاديون أنفسهم.

كان من الواضح منذ اليوم الأول أن هذه المجموعات الجهادية، التي تتحرك بدافع الغضب والانتقام، ستقوم بعمليات تطهير عرقي ضد العلويين، لأن الكراهية نحوهم لها خلفية تمتد إلى 14 عاماً.

من المجازر الصغيرة إلى الإبادة الجماعية

جاءت الإبادة الجماعية صارخةً، لكنها وُوجهت بتعتيم إعلامي كبير، كما جرى تصوير المجازر على أنها أعمال فردية يقوم بها بعض الأفراد أو المجموعات بدافع الانتقام، مع التركيز بشكل مكثف على عدم وجود أي صلة بين هذه المجازر و"هيئة تحرير الشام". نتيجة لذلك، تحولت الهجمات بسرعة إلى إبادة جماعية.

خلال الشهر الأول، الذي وصفه كل من الإعلام وأنصار الهيئة بأنه أحداث "فردية"، استُهدف شيوخ وقضاة وأكاديميون علويون، بالإضافة إلى مزارعين يعملون في حقولهم. كانت هذه الهجمات موثقةً، وعلى عكس ما يُزعم، لم تكن فردية بل منهجية وذات طابع إبادة جماعية.

خلال أول شهر ونصف الشهر من سيطرة الهيئة على الحكم، اتخذت الهجمات أشكالاً مختلفة، مثل الاعتداء على المقدسات الدينية، الاختطاف، الاعتقال، نهب المنازل وإحراقها، التهجير القسري، وكلها جرائم موثقة في فئات مختلفة. قام "المركز السوري الوطني لتوثيق الانتهاكات" بنشر جميع انتهاكات حقوق الإنسان مع مقاطع الفيديو والصور على صفحته الرسمية على فيسبوك، لكن شركة "ميتا" أغلقت الصفحة. والآن، يواصل المركز نشرها على قناة واتساب.

انتهاكات موثقة ضد الأقليات ومقدساتهم الدينية

للإشارة فقط، وإظهار نمط الجرائم المتكررة في كل تجمع علوي ومسيحي، إليكم بعض الأمثلة الصارخة:

  1. 8-18 كانون أول/ديسمبر 2024: دُمرت أضرحة ومقابر العلويين. كما تعرضت مقدسات المسيحيين للهجوم، حيث تم تحطيم تمثال العذراء مريم والصليب، وتدمير المقابر.
  2. 19 كانون أول/ديسمبر 2024: أُطلقت النار على كنيسة الروم الأرثوذكس في حماة. وصف المطران نيكولاس بعلبكي ما حدث: "جاء مسلحون ووجهوا أسلحتهم نحونا، وحطموا الصلبان، وأطلقوا النار على جدران الكنيسة ثم غادروا".
  3. 22 كانون أول/ديسمبر 2024: في قرية صفصافية السورية، داهمت المجموعات المسلحة منازل العلويين والمسيحيين، وسرقت أموالهم، واعتدت على النساء.
  4. 23 كانون أول/ديسمبر 2024: أحرقت المجموعات الجهادية التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" شجرة عيد الميلاد في حماة. وأطلقت النار على شباب مسيحيين حاولوا منع الإحراق.
  5. 24 كانون أول/ديسمبر 2024: تعرض ضريح علوي في قرية باروحا في حمص لهجوم من قبل المجموعات الجهادية. أُحرق الضريح، وسُرقَت محتوياته، ودُمِّر.
  6. 25 كانون أول/ديسمبر 2024: أُحرق ضريح العالم العلوي البارز حسين بن حمدان الحسيب، الذي يبلغ عمره 700 عام، وقُتل 5 مدنيين علويين كانوا يعتنون بالضريح. وقام المسلحون بالتقاط الصور وهم يدوسون على الجثث.
  7. 5 كانون الثاني/يناير 2025: في حي القصاع المسيحي بدمشق، تجول فارس يحمل راية جهادية في الحي. كما نُودي في الحي المسيحي بارتداء الحجاب، ومنع الاختلاط بين النساء والرجال.
  8. 15 كانون الثاني/يناير 2025: داهمت المجموعات المسلحة الجامعة الخاصة الحواش في حمص، وأجبرت الجميع على اتباع معتقداتها الإسلامية السياسية.
  9. 15 كانون الثاني/يناير 2025: في حي القصاع المسيحي بدمشق، حاول مسلحون ملثمون توزيع منشورات تحظر التدخين وترغم النساء على ارتداء النقاب. وعندما تصدى لهم شبان مسيحيون، أطلقوا النار في الهواء، ما أدى إلى اشتباك.
  10. 16 كانون الثاني/يناير 2025: تعرضت كنيسة الروم الأرثوذكس في حماة لهجوم آخر، حيث دُمر باب الكنيسة.
  11. 15 شباط/فبراير 2025: هُوجمت القرى المسيحية في وادي النصارى، واختُطف 12 شاباً مسيحياً. أُطلق سراح ثلاثة لاحقاً، بينما بقي التسعة رهائن. كان السبب المزعوم: دق أجراس الكنيسة.
  12. 17 شباط/فبراير 2025: في قرية زيدال بحمص، هاجمت المجموعات الجهادية مقبرة مسيحية وحطمت الصلبان والرموز الدينية المسيحية.

حملات الاعتقال الجماعي، النهب، المجازر، والتهجير

  • 2 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية كفرنان بريف حمص الغربي، داهمت قوافل تابعة لـ "هيئة تحرير الشام" القرية والمدرسة، واعتدت على الطلاب والمعلمين، ومنعت إخراج الجرحى، وقطعت توزيع الخبز.
  • 5 كانون الثاني/يناير 2025: أُجبر 34,000 شخص من مناطق علوية في حمص على النزوح. كما أُحضرت 300,000 عائلة (معظمهم أجانب) من إدلب لاستيطان منازل العلويين.
  • 16 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية جبورين بحمص، استمر القصف طوال اليوم، ثم بدأت الاعتقالات والتعذيب. أُجبر المدنيون على الوقوف تحت الشمس لساعات، ومنعوا من مغادرة القرية.
  • 12 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية متنين بحماة، نُهبت المنازل في الحي العلوي، ثم أُحرقت، وطُرد السكان مع تهديدهم بالقتل إذا عادوا.
  • 14 كانون الثاني/يناير 2025: في حي النازحين بحمص، اعتُقل 6 شباب دون سبب، وعومل السكان بعنف.
  • 17 كانون الثاني/يناير 2025: في قرى جبورين، تلبيسة، ودسنية بحمص، اعتُقل 300 شخص على الأقل، وأُعدموا جميعاً قرب نهر العاصي.
  • 22 كانون أول/ديسمبر 2024: حاصر المسلحون إحدى قرى حمص، وارتكبوا مجازر بحق العلويين والمسيحيين، وسرقوا المنازل، واختطفوا النساء.
  • 22 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية خربة التين بحمص، دخلت قوات الهيئة القرية، واعتدت على الرجال، ونهبت المنازل، وفرضت إتاوات كبيرة على السكان الفقراء.
  • 28 شباط/فبراير 2025: في قرية تسنين بحمص، قُتل عامل بلدية علوي فقير، وجُرح ابنه البالغ 11 عاماً. كانا آخر علويين في القرية بعد تهجير 2,500 شخص.

أكثر المجازر دموية

  • 11 كانون الثاني/يناير 2025: اتهم المعارض السوري جورج برشيني "هيئة تحرير الشام" بتنفيذ إبادة جماعية منهجية ضد العلويين، حيث اعتُقل آلاف الرجال ونُقلوا إلى أكثر من 40 سجناً، مع خطط لقتلهم لاحقاً.
  • 21 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية الغور بحمص، دخلت قوات الهيئة القرية، وقتلت مدنيين، وعذبت السكان، ومنعت دفن الجثث، ونهبت المنازل.
  • 31 كانون الثاني/يناير 2025: في قرية أرزة بحماة، اقتاد المسلحون الرجال العلويين إلى نهر العاصي وأعدموهم.
  • 2 شباط/فبراير 2025: في حمص، قتلت قوات الهيئة 9 مدنيين علويين، واختطفت العشرات.

اختطاف النساء وقتلهن

منذ سقوط دمشق في 8 كانون أول/ديسمبر حتى بدء الإبادة الجماعية الكبرى في 7 آذار/مارس، اختُطفت عشرات النسوة، وقُتلت 4 منهن وأُلقيت جثثهن في الحقول. من بين الضحايا كانت البروفيسورة رشا العلي من جامعة حمص، التي اختُطفت في 22 كانون الثاني/يناير 2025، وعُثر على جثتها مشوهة.

كما اختُطف 22 فتاة بحلول 2 شباط/فبراير، و11 أخريات بحلول 18 شباط/فبراير. بعد 7 آذار/مارس، قالت إحدى الناجيات إن 70 امرأة علوية اختُطفن من قريتها وحدها. بين 23-24 آذار/مارس، اختُطف أكثر من 100 امرأة، بينهن صيدلانيات ومهندسات ومعلمات. يُعتقد أن المختطفين نُقلوا إلى إدلب، حيث يُشتبه بوجود سوق للعبيد أو تجارة أعضاء.

حملة الإبادة الكبرى التي بدأت في 7 آذار/مارس

في 6 آذار/مارس، أعلنت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "درع الساحل" مقاومتها لـ "هيئة تحرير الشام"، احتجاجاً على تصاعد وتيرة الإبادة الجماعية. رداً على ذلك، شنّت الهيئة حرب تطهير عرقي شاملة ضد العلويين في الساحل، حيث قصفت القرى والبلدات، وقتلت العائلات في منازلهم.

أعلنت المساجد عبر مكبرات الصوت: "اقتلوا العلويين!". وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، قُتل 6,316 شخصاً في 100 يوم بعد سقوط دمشق. بعد ضغوط دولية، أدانت الأمم المتحدة المجازر، لكن الهيئة أمرت بإزالة الجثث قبل وصول فريق التحقيق. نُقلت الجثث بواسطة جرافات، وأُلقيت في البحر، أو حُرقت، أو دُفنت في مقابر جماعية. في بعض الحالات، وُضعت ملابس عسكرية على الجثث لتصويرها كضحايا قتال.

قصة مروعة: أم تفقد أبناءها الثلاثة

الموقع: القرداحة، ريف اللاذقية. التاريخ: 11 آذار/مارس 2025.

قُتل ابنا زرقه سباهية البالغة من العمر 86 عامًا وحفيدها. الحوار بينها وبين القتلة:

الأم: هؤلاء هم أولادي.

- لقد قتلنا أولادك.

الأم: الله لا يسامحك أبدًا.

-سندوس على رأس العلويين.

الأم: الله لا يسامحك أبدًا.

-قتلناهم، خذوهم، لأنكم خونة.

الأم: لا يمكن، نحن لسنا خونة.

بينما تقف وحدها بينهم، وتعتني بأطفالها، يستمرون في إهانتها رغم أنها لا تملك أي قوة أو سلطة.

هذه قصة مؤلمة عن الوحشية التي تعرضت لها الأم زرقه: تركت جثث ابنيها وحفيدها في الشارع لمدة 4 أيام. كان تحرس الجثث ليلاً ونهاراً لمدة أربعة أيام حتى لا تؤذيها الكلاب، ولم يُسمح لها بدفن أولادها بشرف.

وتقول إبنة زرقه:

"هناك المزيد... لقد دخلوا المنزل، ولعبوا بنا المقالب، وأخذوا ما تبقى من ممتلكاتنا"، مشيرة إلى أن "بعض الجناة لا يزالون يقيمون في منزل مقابل منزلهم بعد سرقته من أصحابه الذين نجوا من مصير مماثل".

وبما أن هذه الجريمة وما تعرضت له الأم كانا على جدول الأعمال، فقد ذهب محافظ اللاذقية مع وفد لتقديم واجب العزاء للأم زرقه. وكأنهم يسخرون منه، ضم وفده حسن صوفان، القائد السابق سيئ السمعة في حركة أحرار الشام والذي أصبح الآن عضواً في اللجنة العليا للسلم الأهلي.  يُعرف صوفان بأنه رجل قاسٍ ويداه ملطختان بالدماء العلوية. أما التصرف الثاني من التهور فهو تظاهر "محافظ هيئة تحرير الشام" بالاستماع إلى شكاوى الأمهات اللواتي فقدن أولادهن في القرية، ثم رد بابتسامة: "لن يتكرر هذا الأمر".