وضع تسارع وتيرة المواجهة بين إيران وإسرائيل، دول مجلس التعاون الخليجي كلاعب محوري في المعادلة الجيوسياسية الإقليمية. فموقعها الاستراتيجي، واحتضانها لقواعد أميركية حساسة، يجعلانها جزءاً لا يتجزأ من أي حسابات عسكرية محتملة. الإدراك الخليجي لهذه الحقيقة ينعكس في مقاربتها الحذرة: محاولة الحفاظ على التوازن بين مصالحها الأمنية والاقتصادية، وتفادي التورط المباشر في صراع مفتوح قد يفضي إلى تغييرات جذرية في بنية النظام الإقليمي.

التحرك الدبلوماسي: سباق مع الوقت

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على طهران في 13 حزيران/يونيو، تحرّكت العواصم الخليجية بسرعة على الصعيد الدبلوماسي، في محاولة لاحتواء التصعيد ومنع انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.

  • السعودية أجرت سلسلة اتصالات مع الاتحاد الأوروبي، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، العراق، قبرص، إسبانيا، اليونان، مصر، الأردن، قطر، الكويت، النرويج وفلسطين، بهدف تعزيز التنسيق الدبلوماسي لخفض التوتر.
  • قطر ناقشت التطورات مع إيطاليا، كندا، اليونان، العراق، الكويت، وتركيا.
  • الإمارات تواصلت مع باكستان، فرنسا، إيطاليا، تركيا، المجر وسوريا بشأن الآثار الإقليمية المحتملة.
  • الكويت وعُمان ركزتا اتصالاتهما مع تركيا في إطار جهود خفض التصعيد.

كما أصدرت 20 دولة عربية وإسلامية، من بينها الدول الخليجية الست، بيانًا مشتركًا أكد على أهمية نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط دون استثناء، وعدم استهداف المنشآت النووية، والدعوة للعودة إلى طاولة المفاوضات.

وعلى المستوى الإنساني، حرصت دول الخليج على إظهار بوادر إيجابية تجاه طهران؛ فقد أعفت الإمارات المقيمين الإيرانيين من غرامات التأخير، ووجّهت السعودية بتسهيل احتياجات الحجاج الإيرانيين لضمان عودتهم السلسة إلى بلادهم.

جدول الاتصالات الخليجية مع إيران منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي

الدولةجهة الاتصالفحوى الاتصال
عُمانالسلطان هيثم بن طارق ↔ الرئيس الإيراني مسعود بزشكيانتأكيد السعي لإنهاء الأزمة ومنع تفاقمها، والسعي نحو تسويات عادلة ومنصفة
السعوديةمحمد بن سلمان ↔ بزشكيانالاعتداءات الإسرائيلية عطّلت الحوار القائم لحل الأزمة
السعوديةفيصل بن فرحان ↔ عباس عراقجيإدانة العدوان والتأكيد على ضرورة اعتماد الحوار لحل الخلافات
قطرتميم بن حمد ↔ بزشكيانإدانة واستنكار للهجوم، والدعوة إلى خفض كافة أشكال التصعيد
الإماراتعبدالله بن زايد ↔  بزشكيان تأكيد على أهمية الدبلوماسية، واحترام سيادة الدول والقانون الدولي
الكويتعبدالله علي اليحيا ↔ عباس عراقجيإدانة الهجمات التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بأسرها

القواعد الأميركية: من أداة ردع إلى عبء جيوسياسي

تعرف واشنطن تمامًا أن أي تدخل عسكري مباشر ضد إيران سيؤدي إلى خسائر استراتيجية فادحة، ولن تستثني الصواريخ الإيرانية المواقع التي تستضيف القوات الأميركية أو حلفاءها في الخليج.

  • قطر تستضيف أكبر وجود عسكري أميركي في المنطقة من خلال قاعدتي "العديد" و"السيلية".
  • الكويت تحتضن أربع قواعد أميركية مهمة.
  • الإمارات تضم ثلاث قواعد تقدم دعماً لوجستيًا.
  • السعودية تحتضن قاعدتي "الإسكان" و"الأمير سلطان"، وتوفران أنظمة دفاع جوي وصاروخي متقدمة.
  • البحرين وعُمان تسهمان في الدعم اللوجستي البحري والجوي.

هذه القواعد جميعها تقع ضمن مدى لا يتجاوز 1500 كيلومتر من الأراضي الإيرانية، ما يجعلها عرضة مباشرة لأي ضربة صاروخية، حتى باستخدام أنظمة قديمة نسبياً. ورغم أن الدول المضيفة تحتفظ بحق منع استخدام أراضيها في عمليات هجومية، إلا أن استخدامها فعليًا سيحوّل أراضي الخليج إلى ساحة ردود إيرانية قاسية.

قطاع الطيران: ضربة موجعة في قلب السماء

التوترات الإقليمية انعكست فورًا على قطاع الطيران الخليجي، أحد أعمدة الاقتصاد الإقليمي.

  • تم تعطيل المجال الجوي الحيوي فوق إيران، العراق وسوريا، ما أجبر نحو 1400 رحلة يومية على تغيير مساراتها.
  • ألغت "طيران الإمارات" و"الخطوط القطرية" العديد من الرحلات، وواجه مطار دبي الدولي تأخيرات متكررة.
  • سجل سهم "العربية للطيران" تراجعًا بنسبة 10%، في أكبر انخفاض منذ الأزمة المالية عام 2008، نتيجة ارتفاع تكاليف التشغيل وتحويل المسارات وزيادة استهلاك الوقود.

الطاقة: ربح ظرفي وخطر وجودي

تصاعدت المخاوف من تأثير الحرب على سوق الطاقة، خصوصاً بعد الهجمات الإسرائيلية على منشآت النفط والغاز في طهران وبوشهر، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 10%.

  • وفي تطور مقلق، شنت إسرائيل غارة على منشأة في حقل "بارس الجنوبي"، الشق الإيراني من الحقل المشترك مع قطر "الشمال"، الذي يمثل 20% من احتياط الغاز العالمي.
  • رغم أن الضربة لم تستهدف الجانب القطري، إلا أن القلق تصاعد من تأثيرات محتملة على إنتاج الغاز القطري، ما يهدد موقع الدوحة كمورد رئيسي وموثوق.
    الخليج يستفيد مرحليًا من ارتفاع أسعار النفط، لكن أي خلل كبير في الإنتاج سيهدد اقتصادات المنطقة المعتمدة على التصدير، ويفتح باباً لعودة التضخم إلى مستويات كارثية شبيهة بأزمة كورونا.

شرايين الطاقة: المضائق في مرمى النيران

مضيق هرمز، الذي يعبره يومياً أكثر من 21 مليون برميل نفط (21% من الاستهلاك العالمي) وربع صادرات الغاز المسال، يبقى نقطة الاختناق الأخطر.

  • دول مثل الكويت، قطر والبحرين تعتمد بالكامل على مرور صادراتها عبر المضيق، من دون بدائل فعالة.
  • السعودية والإمارات لديهما خطوط بديلة (خط "شرق–غرب" السعودي وخط "حبشان–الفجيرة" الإماراتي)، لكن قدرتهما لا تتجاوز 2.6 مليون برميل/يوم.
    ويتعقد المشهد أكثر مع دخول مضيق باب المندب إلى دائرة الخطر، حيث يمر عبره ما يقارب 8.7 مليون برميل يومياً (2023)، وتراجع إلى 4 ملايين في 2024 بفعل التوترات اليمنية. إغلاق هذين المضيقين يعني شللاً شبه كامل في صادرات الطاقة الخليجية وارتفاعًا جنونيًا في أسعار النفط قد يتجاوز 200 دولار للبرميل.

الحرب السيبرانية: التهديد الصامت

أضحت الجبهة الإلكترونية ساحة جديدة للصراع، مع استهداف أنظمة الملاحة في مضيق هرمز بهجمات إلكترونية عطّلت أجهزة تحديد المواقع (GPS) لأكثر من 900 سفينة.

  • تسبب الخلل في اضطرار السفن إلى استخدام وسائل تقليدية كالرادار والبوصلة.
  • هذا الحادث سلط الضوء على هشاشة البنية الرقمية الخليجية، ما فرض ضرورة تعزيز الدفاعات السيبرانية وتوسيع التعاون الإقليمي لمواجهة تهديدات من هذا النوع.

التهديد النووي: خطر بيئي ومائي وجودي

التهديد الأخطر يتمثل في الخطر النووي الكامن قرب الخليج:

  • المنشآت النووية الإيرانية تقع في نطاق لا يتجاوز مئات الكيلومترات من بعض العواصم الخليجية.
  • مياه الخليج الدافئة والضحلة تعزز احتمالية انتشار التلوث الإشعاعي في حال حدوث تسرب.
  • دول مثل قطر، الكويت والإمارات تعتمد شبه كليًا على تحلية مياه البحر، ما يجعل أي تلوث إشعاعي كارثة وجودية.
  • الكويت، تحديدًا، تبعد فقط 250 كم عن أقرب مفاعل نووي إيراني، مع تيارات بحرية تنقل التلوث من السواحل الإيرانية نحو الداخل الخليجي.

وزير خارجية قطر حذّر من أن أي تلوث نووي قد يؤدي إلى نفاد المياه العذبة في غضون أيام.

ارتدادات إقليمية وتوازنات دقيقة

ما زالت تداعيات "طوفان الأقصى" تثقل المشهد الخليجي، وتفرض إعادة ترتيب أوراق الاصطفاف الإقليمي.
تسعى دول الخليج إلى تجنّب التصعيد، وتوازن بين:

  1. التهدئة مع إيران عبر أدوات دبلوماسية وأمنية.
  2. الحفاظ على مسار التطبيع مع إسرائيل بما لا يضر مصالحها الاستراتيجية.
  3. ضمان المظلّة الأميركية كضمانة أمنية في لحظة عدم يقين إقليمي.

الخليج يعيش لحظة اختبار نادرة، حيث التحديات العسكرية والاقتصادية تتشابك، والتوازن الاستراتيجي مطلوب أكثر من أي وقت مضى. فهل تنجح العواصم الخليجية في عبور هذا المنعطف التاريخي من دون أن تكتوي بنيران الحرب القادمة؟