في أواخر نيسان/أبريل 2025، انزلقت سوريا مجددًا في دوامة من العنف الطائفي، مع اندلاع اشتباكات بين فصائل سنيّة متطرفة مرتبطة بالحكومة السورية وميليشيات درزية في السويداء ودمشق، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 100 شخص.

تشير مراجعة دقيقة للأحداث التي سبقت اندلاع العنف إلى وجود دور إسرائيلي في تأجيج الاضطرابات الطائفية، كجزء من جهود "الدولة اليهودية" المستمرة لإعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية لغرب آسيا بعد 7 أكتوبر، بما في ذلك عبر "تفكيك" سوريا.

في 29 نيسان/أبريل، وبينما كانت المعارك تتصاعد بين الميليشيات الدرزية والفصائل المرتبطة بالحكومة في سوريا، أعلن السياسي والوزير الإسرائيلي البارز بتسلئيل سموتريتش:

"سننهي هذه الحملة عندما تُفكك سوريا، ويُهزم حزب الله بشدة، وتُجرد إيران من تهديدها النووي، وتُطهّر غزة من حماس، ويُهجّر مئات الآلاف من الغزّيين إلى دول أخرى".

إسرائيل تساعد الجولاني في الوصول إلى السلطة

كما أشار الخبير والمحلل في الشأن السوري، كيفورك ألماسيان، فقد لعبت إسرائيل دورًا محوريًا إلى جانب تركيا في إيصال الحكومة الحالية في سوريا – بقيادة القائد السابق لتنظيم القاعدة أبو محمد الجولاني – إلى السلطة في دمشق.

في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وقّعت إسرائيل وحزب الله اتفاق وقف إطلاق نار، بعد ضربة قاسية تعرّضت لها مقاومة الحزب اللبناني عقب حملة قصف وحشية استمرت شهرين، أدت إلى اغتيال السيد حسن نصر الله.

في اليوم نفسه، شنّ مسلحو "هيئة تحرير الشام" – الفرع السابق لتنظيم القاعدة – هجومًا خاطفًا على مدينة حلب، ثاني أكبر مدينة سورية، انطلاقًا من معقلهم في إدلب. وبدعم تركي، سيطروا على دمشق بعد أسبوعين فقط، وأطاحوا بالرئيس بشار الأسد، مما جعل الجولاني الحاكم الجديد للبلاد.

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطاب بتاريخ 28 نيسان/أبريل:

"اغتيال نصر الله كسر المحور حقًا. كانت ضربة هائلة... وبعدما وجهنا تلك الضربة لحزب الله، وجهنا ضربة أخرى للأسد لأنه كان يعتمد كثيرًا على الحزب".

وكشف نتنياهو أن الطائرات الإسرائيلية اعترضت طائرات إيرانية كانت متجهة إلى سوريا لنقل قوات لإنقاذ الأسد خلال هجوم "هيئة تحرير الشام".

قال نتنياهو: "كانوا ينوون إنقاذ الأسد"، مدعيًا أن إيران أرادت إرسال "فرقتين محمولتين جوًا" لدعمه، وأضاف: "أوقفنا ذلك. أرسلنا مقاتلات F-16 لاعتراض بعض الطائرات الإيرانية التي كانت تسلك مسارات نحو دمشق... فعادت أدراجها".

وتابع: "بعد أن فُقد الدعم الغربي والشرقي، انهار نظام الأسد. وللتأكد، دمّرنا 90% من ترسانتهم... ثم حسّنا مواقعنا"، في إشارة إلى الحملة الجوية الضخمة التي شنتها إسرائيل عقب سقوط الأسد.

إسرائيل تؤجج الانقسامات الطائفية لزعزعة حكومة الجولاني

غير أن إسرائيل بدأت بعد شهرين فقط من مساعدة الجولاني في الوصول إلى الحكم باتخاذ خطوات لشن تمرد ضد حكومته، ضمن جهودها الرامية إلى "تفكيك" سوريا وتقسيمها إلى كانتونات ضعيفة قائمة على أسس طائفية، كما صرّح سموتريتش.

في أوائل شباط/فبراير، بدأت إسرائيل بالضغط على الولايات المتحدة لدعم فكرة "سوريا ضعيفة ولا مركزية"، والسماح لروسيا بالإبقاء على قواعد عسكرية في البلاد، بحجة موازنة النفوذ التركي المتصاعد، بحسب ما أفادت به رويترز.

وشملت هذه الحملة تقديم "وثيقة بيضاء" للمسؤولين الأمريكيين، زعمت فيها إسرائيل أنها لا تثق بهيئة تحرير الشام، وأنها لن تقبل بوجودها أو أي قوة تابعة لها قرب حدودها.

في الفترة نفسها، التقى خلدون الهجري، ممثل الزعيم الدرزي السوري في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، بمسؤولين أمريكيين، وقدّم خطة لتمرد مسلح ضد حكومة الجولاني.

تضمنت الخطة تنسيقًا مع "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من واشنطن، وعناصر علوية على الساحل السوري، ووفقًا للهجري، حظيت الخطة بدعم إسرائيلي. ورغم أن الخطة لم تحظَ بموافقة أمريكية رسمية، إلا أنها تزامنت مع زيارة رئيس الوزراء نتنياهو لواشنطن، حيث قدّم الوثيقة البيضاء حول سوريا.

ويُثار التساؤل ما إذا كانت إسرائيل قد لعبت دورًا في دفع عناصر من جيش النظام السابق، من "بقايا النظام"، لإطلاق انتفاضة فاشلة ضد حكم الجولاني في أوائل آذار/مارس.

في 7 آذار/مارس، ردّت فصائل سنيّة متطرفة ضمّها النظام مؤخرًا إلى وزارة الدفاع السورية بمجزرة طائفية مروّعة، أسفرت عن مقتل أكثر من 1,600 مدني علوي – بينهم نساء وأطفال – على أساس طائفي.

سارع الزعماء العلويون إلى مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل لحماية مجتمعهم المروّع، ما قرّب سوريا أكثر نحو التقسيم، بينما تظاهر وزير الخارجية الإسرائيلي إسرائيل كاتس بالغضب تجاه الفظائع التي ارتكبتها قوات الجولاني بحق العلويين.

انتفاضة درزية؟

بعد شهرين، انفجرت التوترات الطائفية مجددًا عقب انتشار تسجيل صوتي منسوب لقائد ميليشيا درزية، قيل إنه تضمن إساءة للنبي محمد. أثار التسجيل ردود فعل عنيفة من متطرفين سنّة موالين للجولاني.

في حمص ودمشق، اعتدى طلاب سنّة على طلاب دروز، وعلت هتافات تحمل طابعًا إباديًا في مدن مثل حماة. هاجمت فصائل متطرفة من بلدة مليحة مدينة جرمانا، ما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع ميليشيات درزية كانت تدافع عن المدينة ذات الغالبية الدرزية في ضواحي دمشق.

قُتل ما لا يقل عن 13 شخصًا في ليلة واحدة، بينهم مقاتلون دروز وأعضاء في جهاز الأمن العام التابع للجولاني.

وشنّت مجموعات متطرفة مرتبطة بالحكومة هجمات على بلدة صحنايا الدرزية. حاولت الفصائل الدرزية إرسال تعزيزات من السويداء، لكنها وقعت في كمين على طريق دمشق-السويداء، أدى إلى مقتل تسعة مقاتلين دروز، وإصابة آخرين.

وأشارت تقارير إلى أن قوات موالية للحكومة أعدمت مدنيين دروزًا في مزرعة دجاج قرب صحنايا.

مع نهاية الأسبوع، تجاوز عدد القتلى 100 شخص، من بينهم مقاتلون دروز، ومسلحون تابعون للحكومة، ومدنيون، ومنهم رئيس بلدية صحنايا الدرزي حسام ورور وابنه الوحيد حيدر، اللذان أُعدما على يد عناصر من الأمن العام بعد ظهورهما في الإعلام الرسمي مرحّبين بهم في البلدة قبل يوم فقط من المذبحة.

دفع هذا الزعيم الدرزي، الشيخ حكمت الهجري، إلى إعلان أن حكومة الجولاني "فاقدة للشرعية"، مؤكدًا في 1 أيار/مايو:

"هذا القتل الجماعي ممنهج، واضح، ظاهر، وموثق".

وأضاف: "لم نعد نثق بمجموعة تُسمي نفسها حكومة، لأن الحكومة لا تقتل شعبها عبر عصابات متطرفة تابعة لها، ثم تدّعي بعد المجزرة أنها قوى خارجة عن السيطرة".

إسرائيل تتدخل لـ"حماية" الدروز

في 30 نيسان/أبريل، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها نفّذت "ضربة تحذيرية" ضد جماعة متطرفة كانت تستعد لمهاجمة مدنيين دروز في صحنايا. وأفادت وزارة الداخلية السورية بأن طائرة مسيّرة إسرائيلية استهدفت قوات أمن سورية حكومية، ما أدى إلى مقتل شخص واحد على الأقل.

وفي اليوم التالي، شنّت إسرائيل غارات جوية قرب القصر الرئاسي في دمشق، وأعلنت أن الضربة رسالة موجّهة إلى النظام السوري.

وردًا على الغارات الإسرائيلية، تعهّد الصحافي الموالي للحكومة قتيبة ياسين بأنه إذا قُتل الجولاني، فإن الحكومة والفصائل المسلحة التابعة لها ستصبح أكثر تطرفًا من أي جماعة إرهابية ظهرت خلال الحرب السورية المستمرة منذ 14 عامًا، في إشارة إلى تنظيم "داعش".

وفي 3 أيار/مايو، نفّذت إسرائيل 20 غارة جوية استهدفت مواقع عسكرية في مختلف أنحاء سوريا، فيما اعتُبر أعنف قصف تتعرض له البلاد منذ بداية العام.

وكان من المفارقة أن إسرائيل استهدفت قوات الحكومة السورية، رغم أنها خلال الحرب السرية التي قادتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية للإطاحة بالأسد منذ عام 2011، أمرت سلاحها الجوي بقصف مواقع الجيش السوري دعمًا لقوات الجولاني، التي كانت تُعرف حينها بـ"جبهة النصرة".

كما وقفت إسرائيل إلى جانب الميليشيات المعارضة "بطريقة بطولية"، وقدّمت لها دعمًا سريًا شمل الأسلحة والرواتب والعلاج الطبي، لا سيما في جنوب سوريا، لفصائل مثل "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة"، بهدف إسقاط الأسد.

وفي عام 2019، أقرّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته علنًا بتقديم السلاح للجماعات المسلحة المعارضة، وهو أمر كان يُخفى سابقًا لتجنّب اتهام المعارضة بأنها "أدوات بيد الصهاينة"، بحسب ما أفادت به صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

اللعب على الحبلين

ورغم إعلان إسرائيل العداء للجولاني وشنها ضربات محدودة ضد قواته، ما تزال الشكوك قائمة حول ما إذا كان قادة سوريا الجدد من المتطرفين لا يزالون في واقع الأمر عملاء لإسرائيل.

ففي الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تهدد الجولاني علنًا، كانت وفود من حكومة نتنياهو تعقد لقاءات ودية مع ممثلين عنه على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك.

وفي 29 نيسان/أبريل، أي قبل يوم من الضربة "التحذيرية" على القصر الرئاسي، التقى وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، وفدًا من اليهود السوريين والأمريكيين في نيويورك.

وفي اليوم نفسه، اجتمع الشيباني مع عدد من جماعات الضغط الإسرائيلية، والتُقطت له صورة إلى جانب الحاخام اليهودي أبراهام كوبر، من مركز "سيمون ويزنتال"، الذي لعب أدوارًا بارزة في التفاوض مع حكومات عربية نيابة عن تل أبيب في الماضي.

وقبل ذلك بأسبوعين، اجتمع وزير الخارجية التركي حقان فيدان – الداعم الأبرز للجولاني – مع نظرائه الإسرائيليين لتنسيق "تفادي الاشتباك" في سوريا. وعُقدت اجتماعات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين في 10 نيسان/أبريل في العاصمة الأذربيجانية باكو، حليفهما المشترك.

وقال فيدان لقناة CNN التركية: "لا نعتزم مواجهة أي دولة داخل سوريا، بما في ذلك إسرائيل".

تشير اجتماعات الشيباني وفيدان إلى أن الجولاني وحلفاءه الأتراك يتعاونون على الأرجح مع إسرائيل في إدارة الأحداث داخل سوريا، وخلق توترات طائفية تُستخدم لتبرير إنشاء منطقة حكم ذاتي درزية، توازي منطقة الحكم الذاتي الكردية المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا في شمال شرق البلاد.

ويخدم هذا التقسيم الطائفي لسوريا مصلحة كل من أنقرة وتل أبيب، إذ يحصل كل طرف إقليمي على مناطق نفوذ داخل سوريا المفككة. ففي حين تفقد تركيا السيطرة على السويداء – وهي منطقة تفتقر للموارد الطبيعية وسكانها يعادون النفوذ التركي – يُمنح لها ضوء أخضر إسرائيلي لتكريس سيطرتها على المناطق السنية الكبرى، مثل دمشق، حمص، حماة، وحلب، تحقيقًا لطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان ذات الطابع العثماني الجديد.

أما إسرائيل، فستتمتع بنفوذ في مناطق الحكم الذاتي الدرزية والكردية، التي تُربط بممر يمر عبر منطقة البادية الصحراوية – معقل "داعش" السابق وموقع القاعدة الأمريكية في التنف، على الحدود بين العراق وسوريا والأردن.

إن إنشاء ما يُسمى "ممر داوود" سيمثل نهاية الحلم الإيراني بإنشاء "الهلال الشيعي" و"الجسر البري" الذي كان يربط طهران بحلفائها من محور المقاومة في العراق ولبنان.

ويعكس هذا التعاون التركي-الإسرائيلي ما حدث خلال عملية "تيمبر سيكامور" السرية التابعة لـCIA لإسقاط الأسد، وكذلك تعاون الطرفين مع الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني في السماح لتنظيم داعش باجتياح مناطق واسعة من العراق، بما في ذلك الموصل وسنجار، من أجل تقسيم البلاد والاستفادة من نفط الأكراد لصالح تركيا وإسرائيل.

ورغم الخطابات العلنية لأردوغان المنددة بـ"إبادة" الفلسطينيين في غزة، فإن جهود تركيا السرية لتزويد إسرائيل بالنفط مستمرة، إذ تسمح أنقرة لأذربيجان بتصدير النفط عبر أنبوب يمر بأراضيها إلى ميناء جيهان، ومنه يُنقل بحرًا إلى ميناء حيفا.

الخاتمة

خلال زيارة حديثة لصحيفة The Cradle إلى دمشق، قال أحد العلويين الذين يُعرفون بانتقادهم الحاد لنظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد:

"بعد مرور 75 عامًا على قيام إسرائيل، لا تزال الدولة اليهودية تسعى لهزيمة أعدائها من خلال دفعهم لقتل بعضهم البعض".

وكان ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، قد تباهى يومًا بأن إسرائيل لن تسيطر على غرب آسيا بالقوة أو بالسلاح النووي، بل عبر الحرب النفسية التي تُقسم الدول الكبرى الثلاث المحيطة بها – العراق، سوريا، ومصر – إلى دويلات صغيرة تنهشها الحروب الطائفية والدينية.

وقال بن غوريون:

"نجاحنا في تحقيق هذا لا يعتمد على حكمتنا بقدر ما يعتمد على جهل وغباء الآخرين".